تطبير
التطبير أو الإدماء هي طقوس يمارسها بعض المسلمين الشيعة الاثني عشرية - بعضٌ منهم يرفضونها - ضمن الشعائر المسمية بالشعائر الحسينية التي تقام من أجل استذكار معركة كربلاء والقتلى الذين قتلوا في هذه المعركة كالإمام الحسين بن علي وأخيه العباس. ويستخدم في التطبير سيوف وقامات أو أي أدوات حادة أخرى، فيضرب المطبرون رؤوسهم بهذه الأدوات لإحداث جرح لإسالة الدماء من الرأس، ويردد المطبرون أثناء التطبير كلمة (حيدر) والتي تشير إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي توفي بسبب ضربة سيف وجهها إليه عبد الرحمن بن ملجم في حال صلاته. وتخرج مواكب التطبير في عاشوراء والأربعين، وأحياناً في ليلة وفاة علي بن أبي طالب، وليلة وفاة فاطمة الزهراء.
ولفظة «التطبير» لفظة عامية تُستخدم في العراق وما جاوره من عرب الجزيرة الشمالية والجنوبية والخليج والأهواز، فيقولون طبر الخشبة أو العظم بالطبر (الفأس أو القدوم أو الساطور في الشام) ويقصدون الضرب بالساطور وغيره من الأدوات الحادة، ويرى البعض أن للفظ أصول تركية أو بابلية لأن طَبَرَ في العربية الفصحى لا تصح إلا بمعنى قفز واختبأ. يُعرف التطبير باللهجة البحرانية المنتشرة في البحرين والقطيف باسم ”الحيدر“ إشارة لكلمة حيدر التي يرددها المطبرون، وحيدر هو أحد أسماء علي بن أبي طالب، كما يسمى التطبير #تحويل . في باكستان والهند يُعرف التطبير بعدة أسماء منها ”قمهزنی“ و”تلوار زنی“.
ومن الشعائر الحسينية التي تقع ضمن دائرة شعائر الإدماء هي شعيرة إدماء الظهر بسلسلة خفيفة من السكاكين، وهذه الشعيرة شعيرة مستقلة وليست من التطبير، وقد وقع الخلاف فيها كما وقع على التطبير، وممارسة هذه الشعيرة رائجٌ عند الشيعة في باكستان والهند بشكل أوسع من باقي البلدان.
منشأ التطبير.
اختلفت الأقوال في تحديد منشأ التطبير ولكن الأقوى بين الأقوال وما يمكن فيه الاعتماد على الأدلة هو أن التطبير انتقل من أتراك أذربيجان إلى الفرس ومن ثم إلى العرب، فذهب إبراهيم الحيدري الخبير في علم الاجتماع في كتابه تراجيديا كربلاء إلى أن هذه الطقوس والشعائر لم يكن لها وجود قبل القرن التاسع عشر في العراق حيث بدأ رواجها بالتدريج إلى أواخر القرن وعليه فإن هذه الشعائر هي دخيلة وليس لها جذور عربية، حيث لم يشارك العرب العراقيون حتى بداية القرن العشرين في هذه المراسم فكانت تقتصر على أتراك العراق والصوفيين وأكراد غربي إيران وفي تقرير للسلطات البرطانية حول مراسم عاشوراء عام 1919 في النجف ذكرت أن نحو مئة من الترك العراقيين قاموا بالتطبير في مراسيمهم في ذلك العام
ويُعْتَقَد أن هذه الطقوس قد انتقلت من الديانة المسيحية حيث كان المسيحيون يؤدون كذا شعائر بذكرى استشهاد المسيح، يقول مرتضى المطهري: «إن التطبير والطبل عادات ومراسم جاءتنا من أرثوذكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم»
هناك قولاً يقول بان التطبير بدأ في عهد الصفويين، والشيء الذي قد يكون معقولاً هو أنه كان في بلاد القفقاس مسيحيون يقومون بتعذيب جسدهم فداءً للسيد المسيح، وكان في القفقاس عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح علي بن موسى الرضا
خلفية تاريخية.
من الآثار التاريخية للتطبير هو رواية تاريخية يرويها الشيعة مضمونها أن زينب بنت علي بن أبي طالب عندما رأت رأس أخيها الحسين ضربت رأسها بمقدم محمل الناقة التي كانت عليها فسال الدم من رأسها، وقد روى هذه الرواية جمعٌ ومنهم فخر الدين الطريحي في "منتخبه"، وعبد الله شُبّر في "جلاء العيون"، وعبد الله البحراني في "عوالم الإمام الحسين"، وعنهم نقل المجلسي ورواها في كتابه "بحار الأنوار".
آراء مراجع وعلماء الشيعة.
اختلف مراجع الشيعة في آرائهم حول التطبير، فبعضٌ منهم أيّده وقال باستحبابه أو حتى وجوبه كفائياً، وبعضهم من قال بحرمته، وهناك من توقف في الإفتاء فيه، وقد تسبب الاختلاف في الفتوى بين المراجع إلى صراعات مستمرة بين المُقَلّدين.
مناقشة الأدلة.
من جهة أخرى يحكم بعض المعارضين للتطبير بعدم اعتبار هذه الرواية، لأسباب:
* الرواية ضعيفة السند بل نقلها أموي حاقد يدعى مسلم الجصاص (تبعاً لعمله في الجص في قصر ابن زياد)، ليبين ويدعي أنهم استطاعوا إذلال زينب ولهذا لا يصح الاستناد إلى هذه الرواية في مقام الإثبات. وعلى فرض أنها صحيحة فزينب لم تفعل ذلك «عمداً» بل «عفوياً» ولهول ما رأت فقط! ناهيك عما نقله الشيخ المفيد عن قول الحسين لأخته زينب بأن «لا تشقّي علَيَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تدعي علَيَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت»
* أنها تناقض وصية الحسين لأخته بالتزام الصبر، حيث قال لها: ”"أخية، إني أقسم عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا، ولا تخمشي على وجها، ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت"“. غير أن المؤيدين للتطبير يقولون بأن النهي عن الجزع في الرواية إنما هو ظرفي مؤقت لمكان قوله الحسين: "”إذا أنا هلكت“"، لا أنه دائم مستمر.
* أنها مرسلة، ويُرد على ذلك بأن المجلسي قد حكم عليها بالاعتبار، كما حكم عليها شيخ الشريعة الأصفهاني بالصحة.
التطبير في البلدان.
إيران.
ظهر التطبير في إيران منذ عهد الدولة الصفوية ويعتقد علي شريعتي أن هذه الطقوس قد أخذت من طقوس المسيحيین في ذكرى استشهاد المسيح ففي كتابه التشيع العلوي والتشيع الصفوي يقول: "ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة حول المراسيم الدينية، والطقوس المذهبية، والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية، والوسائل المتبعة في ذلك، واقتبس تلك المراسيم والطقوس وجاء بها إلى إيران.
وبعد الثورة الإيرانية منع التطبير في جميع أرجاع إيران طبق مادة 638 من القانون الجنائي الإسلامي ويعتبر مرتكبيه مخالفين للقانون ويجازون قضائيا بالحبس والجلد
ومنع روح الله الخميني من التطبير مؤقتا إلى أن حرمه تماما
كما حرم المرجع الديني الأعلى في إيران علي الخامنئي التطبير علنا وخفية.
المصادر.
المصادر:
- https://ar.wikipedia.org/wiki?curid=36610